فصل: استيلاء معز الدولة بن بويه على بغداد واندراج أحكام الخلافة في سلطانه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استيلاء معز الدولة بن بويه على بغداد واندراج أحكام الخلافة في سلطانه.

ثم إن توزون في فاتح سنة أربع وثلاثين عقد الأتراك الرياسة عليهم لابن شرزاد وولاه المستكفي إمرة الأمراء في الأرزاق فضاقت الجبايات على العمال والكتاب والتجار وامتدت الأيدي إلى أموال الرعايا وفشا الظلم وظهرت اللصوص وكبسوا المنازل وأخذ الناس في الجلاء عن بغداد ثم استعمل ابن شيرزاد على واصل نيال كوشه وعلى تكريت الفتح اليشكري فانتقضا وسار الفتح لابن حمدان فولاه على تكريت من قبله وبدعوته وبعث نيال كوشه إلى معز الدولة وقام بدعوته واستدعاه لملك بغداد فزحف إليها في عساكر الديلم ولقيه ابن شيرزاد والأكراد فهزمهم ولحقوا بالموصل وأخفي المستكفي وقدم معز الدولة كاتبه الحسن بن محمد المهلبي إلى بغداد فدخلها وظهر الخليفة من الاختفاء وحضر عند المهلبي فبايع له عن معز الدولة أحمد بن بويه وعن أخويه عماد الدولة وركن الدولة الحسن وولاهم المستكفي على أعمالهم ولقبهم بهذه الألقاب ورسمها على سكته ثم جاء معز الدولة إلى بغداد فملكها وصرف الخليفة في حكمه واختض باسم السلطان وبعث إليه أبو القاسم البريدي صاحب البصرة فضمن واسط وأعمالها وعقد له عليها.

.خلع المستكفي وبيعة المطيع وما حدث في الجباية والاقطاع.

وبعد أشهر قلائل من استيلاء معز الدولة على بغداد نمي إليه أن المستكفي يريد الادالة منه فتنكر له وأجلسه في يوم مشهود للقاء وافد من أصحاب خراسان وحضر معز الدولة في قومه وعشيرته وأمر رجلين من نقباء الديلم بالفتك بالخليفة فتقدما ووصلاه ليقبلا يد المستكفي ثم جذباه عن سريره وقاداه ماشيا واعتقلاه بداره وذلك في منتصف أربع وثلاثين وثلثمائة فاضطرب الناس وعظم النهب ونهبت دار الخلافة وبايع معز الدولة للفضل بن المقتدر ولقبه المطيع لله وأحضر المستكفي فأشهد على نفسه بالخلع وسلم على المطيع بالخلافة وسلب الخليفة من معاني الأمر والنهي وصيرت الوزارة إلى معز الدولة يولى فيها من يرى وصار وزير الخليفة مقصور النظر على إقطاعه ومقتات داره وتسلم عمال معز الدولة وجنده من الديلم وغيرهم أعمال العراق وأراضيه ولاية وإقطاعا حتى كان الخليفة يتناول الإقطاع بمراسم معز الدولة وإنما ينفرد بالسرير والمنبر والسكة والختم على الرسائل والصكوك والجلوس للوفد وإجلال التحية والخطاب ومع ذلك بأوضاع القائم على الدولة وترتيبه وكان القائم منهم على الدولة تفرد في دولة بني بويه والسلجوقية بلقب السلطان ولا يشاركه فيه غيره ومعاني الملك من القدرة والأبهة والعز وتصريف الأمر والنهي حاصل للسلطان دون الخليفة وكانت الخلافة حاصلة للعباسي المنصوب لفظا مسلوبة عنه معنى ثم طلب الجند أرزاقهم بأكثر من العادة لتجدد الدولة فاضطر إلى ضرب المكوس ومد الأيدي إلى أموال الناس وأقطعت جميع القرى والضياع للجند فارتفعت أيدي العمال وبطلت الدواوين لأن ما كان منها بأيدي الرؤساء لا يقدرون على النظر فيها وما كان بأيدي الأتباع خرب بالظلم والمصادرات والحيف في الجباية وإهمال النظر في إصلاح القناطر وتعديل المشارب وما خرب منها عوض صاحبه عنه بآخر فيخربه كما يخرب الآخر ثم إن معز الدولة أفرد جمعها من المكوس والظلامات وعجز السلطان عن ذخيرة يعدها لنوائبه ثم استكثر من الموالي ليعتز بهم على قومه وفرض لهم الأرزاق والأقطاع فحدثت غيرة قومه من ذلك وآل الأمر إلى المنافرة كما هو الشأن في الدول.

.مسير ابن حمدان إلى بغداد وانهزامه أمام معز الدولة.

ولما بلغ استيلاء معز الدولة على بغداد وخلعه المستكفي إلى ناصر الدولة بن حمدان امتعض لذلك وسار من الموصل إلى بغداد في شعبان سنة أربع وثلاثين وثلثمائة فقدم معز الدولة عساكره فأوقع بها ابن حمدان بعكبرا ثم سار معز الدولة ومعه المطيع إلى مدافعته ولحق به ابن شيرزاد فاستحثه إلى بغداد سنة أربع وثلاثين وثلثمائة وخالفه معز الدولة إلى تكريت ونهبها وتسابقوا جميعا إلى بغداد فنزل معز الدولة والمطيع بالجانب الشرقي وابن حمدان بالجانب الغربي فقطع الميرة عن معسكر معز الدولة فغلت الأسعار وعزت الأقوات ونهب عسكره مرارا فضاق به الأمر واعتزم على العود إلى الاهواز فأمر وزيره أبا جعفر الصيمري بالعبور في العساكر لقتال ابن حمدان فظفر به الصيمري وغنم الديلم أموالهم وظهرهم ثم أمن معز الدولة الناس وأعاد المطيع إلى داره في محرم سنة خمس وثلاثين وثلثمائة ورجع ابن حمدان إلى عكبرا وأرسل في الصلح سرا فنكر عليه الأتراك التورونية وهموا بقتله وفر إلى الموصل ومعه ابن شيرزاد ثم صالحه معز الدولة كما طلب ولما فر عن الأتراك التورونية أعلمهم تكين الشيرازي فقبضوا على من تخلف من أصحابه وساروا في اتباعه وقبض هو في طريقه على ابن شيرزاد وتجاوز الموصل إلى نصيبين فملكها تكين وسار في اتباعه إلى السند فلحقه هنالك عسكر من معز الدولة كما طلب وأمده به مع وزيره أبي جعفر الصيمري وقاتل الأتراك فهزمهم وسار إلى الموصل هو والصيمري فدفع ابن شيرزاد إلى الصيمري وحمله إلى معز الدولة وذلك سنة خمس وثلاثين وثلثمائة.